ثقافة "الشبيهان": كتاب مصري يكشف علاقات النفوذ الحرام فى بلاط مبارك وبن علي
عاش كارم يحيي، لذة الكتابة على حافة الخطر، حال شروعه فى تأليف كتابة، "الشبيهان سيرة ذاتية مزودجة لمبارك وبن على"، قامر بمستقبله فى جريدة الأهرام، وغامر بمستقبل أسرته الصغيرة، ولم يعبأ بالمخاطر المحيطة به ، وأجراس الإنذار، التى دقت من حوله، ونصائح الأصدقاء والمقربين، الذين طالبوه بإرجاء مشروعه، خوفا عليه من سلطة غاشمة، ورغم شعوره بالخطر المحيط به، إلا أنه إزداد إصرارا وعنادا لخوض المغامرة، مهما كلفه الأمر، وشرع فى الكتابة فى اليوم التالى لهروب الرئيس التونسي زين العابدين بن على، بيتنما كانت أبواق السلطة فى مصر تردد:" مصر ليست تونس.. مبارك ليس على".
وعندما انتهي كارم يحي من كتابة الفصل الاول بدأ يسأل نفسه :"تري من يملك جرأة النشر فى عهد مبارك، طرق ابواب دور النشر، فوجدها موصدة فى وجهة، وفي نهاية المطاف تلقي مكالمة من احدي الدور الكبري، وأبدت ترحيبا بالفكرة واستعداداُ للنشر، إلا أن هذا الأمل سرعان ما تبخر، عندما اعتذر له الروائي الكبير، صاحب الدار، عن النشر، بزعم أن الوقت غير ملائم، لطرح الفكرة، ولم تصب الصدمة المؤلف بالاحباط، ولاح له شعاع أمل جديد، حينما أبدي موقع البديل استعداده لنشر فصول الكتاب، فور الانتهاء منه.
الا انه عند نشره الفصل الاول، لم يتوقف رنين هاتفه، ليتلقي سيلا من المناشدات عبر اصدقائه يرجونه التوقف عن النشر، لشعورهم بالخطر علي حياته، ورغم صلابة وعناد "يحي"، الا أنه تسرب الى قلبه "شئ من الخوف"، فبدأ في تنفيذ خطة لحماية ما بحوزته من وثائق ومعلومات ومستندات، خشية مداهمة أجهزة الأمن منزله واعتقاله والاستيلاء علي مشروعه الوليد؛ فأعد رسائل نصية علي هاتفه، تفيد باعتقاله لاستخدامها لحظة القبض عليه، وأودع نسخة من كتاب "صديقنا الجنرال زين العابدين بن علي"، الذي جلبه من باريس، وأودعه لدي صديق، لاعلاقة له بالسياسة أو الصحافة، وأخفي نسخة من مخطوط كتابه، والوثائق والمعلومات والصور والارشيف، داخل ثلاجة منزله، ومعها فلاشة تحتوي نسخة مما كتبه.
وزيادة في الحرص أودع لدي صديقه المقرب، علاء العطار، مدير تحرير الأهرام، نسخة الكترونية مما كتبه، وسلمه خطة مالية لإدارة شؤون بيته، حال اعتقاله، ليواصل نشر الفصل الثاني قبل اندلاع ثورة يناير بيوم واحد، غير عابئ بالمخاطر.. هكذا ولد كتاب "الشبيهان" في ظل ظروف قسرية تشبه ظروف الحرب والمقاومة السريه، وفي ظل حكم استبدادي غاشم، لا يعرف سوي غطرسة السلطة.
ومن خلاله كتابه "الشبيهان"، يضع كارم يحي جثتي مبارك وبن علي علي مشرحة جراح ماهر، ليقارن بين فسادها المزدوج، من خلال تجربة جديدة عبر الكتابة بالتوازي،عن المخلوع والهارب، ليكشف لنا الكواليس الخفية للحاكم الديكتاتور، الواحد الاحد، ودور الحزب والحاشية والعائلة والاقارب والاصهار والذيول والاتباع في مصر وتونس.
ويكشف الكتاب عن جهد شاق بذله المؤلف، في الحصول علي الوثائق والمستندات والصور والمعلومات، التي جمعها، عبر رحلات مكوكية بين القاهرة وتونس وباريس ولبنان وغيرها من البلدان، رحلة استغرقت نحو سنتين، ليقدم لنا المؤلف مقارنة موثقة لفساد حكم الشبيهان، منذ القائهما الخطاب الاول لهما، حال توليهما الحكم، حتي " النفس الاخير"، أقصد الخطاب الأخير قبل الهروب أوالخلع.
والكتاب بمثابة الصندوق الاسود لمبارك وبن علي، ويكشف علاقات النفوذ الحرام في بلاطهما، ويعري الصفحات المجهولة لكليهما، ويغوص في سنوات طفولتهما، وطريقهما للصعود والخلفية الاجتماعية والثقافية لكليهما، وطريقهما للصعود، ودور العائلة المقدسة في الحكم، وتوغل الحزب الواحد الأحد في شرايين الدولة، ويفضح دور الاجهزة السرية التي أحاطت بهما، ودور "كدابين الزفة"، في مديح السلطان وتسويقه عبر أبواق الاعلام الحكومي، باعتباره الحاكم الواحد الاحد.
مغامرة تلك الرحلة، بقدرما كتب لصاحبها النجاة، فهي تزيح ستاراً أسود كثيف الصمت، أسدله صناع الحقائق الكذبة، الذين يعودون الآن بصخب إلي مقدمة المشهد.
عصــام الشــرقاوي
بيبلوجرافيا: الشبيهان سيرة مزودجة لمبارك وبن على- الشبيهان المؤلف – كارم يحي صدرعن الهيئة العامة لقصور الثقافة (كتابات الثورة 2014)